Aug 9, 2008

خاب من دسّاها

ضاقت عليه نفسه , فأراد أن ينتزعها , أدرك أنه لا يستطيع , فقد أصبحت متهالكة ..ممزقة
راودته فكرة إصلاحها , احضر إبرة وخيط , حاول أن يمسكها بيده , كادت أن تتهاوي بين أصابعه , باتت خيوطها واهية
أدرك أيضا أن الترقيع لم يعد ينفع

Jun 2, 2008

امرأة من زمن العزيز


التف الليل برداء الظلام ,واغتسل باللون الأسود واحتضن هدوئه القاتل , بينما يهمس الهواء مداعبا أعواد الزينة الملتفة حول جدران الحياة , والتي اعتادوا وهم صغارا أن يرسموها في الهواء ما بين بيت وأخر علي شكل رقم ( 7 ) ورقم (8 ) , يتدلي منها قطع القطايف المحشوة بألعابهم المفضلة في تلك الأيام , وصواني من الكنافة بطعم براءتهم , والمزخرف سطحها بكلماتهم ( اهو جه ياولاد , اهو جه ياولاد ), وفانوس كبير به شمعة نقشوا علي جدارها أسمائهم ,وأشعلوها كي تنير لهم وهم يلعبون , بسذاجتهم ظنوا بقائها .
***
فكروا مرة أن يجعلوه طوال العام أحضر كل واحد منهم كيس من البلاستيك الشفاف , أخذوا يشفطون الهواء بأفواههم الصغيرة ,ثم يضخون هذا الهواء داخل الأكياس حتى ملئت ثم ربطوا أعناقها بتلك الصفوف التي كانوا يصطفون فيها خلف الإمام في صلاة التراويح , ثم كتبوا عليها
- " هنا يرقد رمضان طوال العام " .
***
مازالت تلك البراءة داخل ذاكراته , طفولته أصبحت أكثر شيء حميم له حتى بعدما تخطي الخامسة والعشرين من عمره .
داعبته براءته كعادتها فأيقظته قبيل الفجر بساعة ليتناول سحوره , كانت براءته أكثر اشتياق لتلك الأيام الماضية , لذا كانت حريصة أن تفرض نفسها عليه وتعيد الذكريات التي هي نفسها تفتقدها , كان يوصي دائما أن يوضع علي مائدة السحور قليل من الفول المدمس داخل الأكياس التي كتبوا عليها في زمن البراءة " هنا يرقد رمضان طوال العام " .
***
أطفأ المصباح , فتوقف الزمن, بدت حجرته مظلمة , توجه إلي ركن الزمن , مشمر عن همته , رافع يده إلي السماء , سطع نور في الغرفة لم يشغل نفسه بمصدر هذا النور , زفرت من عيناه الدمعات حينما سمع المبتهل يقول " أنت ملاذي في وحدتي " انخفض الصوت فجأة , اهتزت نفسه , شعر بقشعريرة في بدنه , لهث لسانه بالدعاء " رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الرحيم , شعر بسمو روحه كأنه وحده في هذا الكون , بدء يردد في طمأنينة ( قد عشت أؤمن بالإله ولم أذق.... الإ أخيرا لذة الإيمان) * .
***
تفتحت عيناه مع ضوء الشمس لم تكن هي الإ بضع لحظات قد غفوت فيها عيناه , ارتدي ملابسه وذهب إلي عمله .
لم ينتبه إليها الإ عندما علا صوتها بالغناء " حبيبتي أنا من تكون , من تكون حبيبتي "
قاطعها قائلا
- صباح الخير, منذ متى وأنتي هنا .
رد ت عليه قائلة
- صباح الخير, أنا هنا منذ خمس دقائق , وجدتك مشغولا , فأنت أيضا لم تشعر بى حينما دخلت عليك المكتب .
رد عليها قائلا
- لا عليك من هذا , فهناك ما هو أهم
قالت : ماذا
قال : فترة التدريب أوشكت علي الانتهاء وأنتي ما زال مستواك ضعيف , أمامك علي الأكثر عشرة أيام وبعدها سأسلم تقريري للإدارة .
شدت علي أعصابها من الغيظ ثم هدأت من نفسها وبصوت منخفض قالت
- أليس كل شيء في يداك ,و أنت لن ترضي أن أترك عملي .
كاد أن يفقد أعصابه عندما سمع ما قالته , لكنه تمالك نفسه لأنه يعرفها جيدا , هي دائما مغرورة بجمالها , هو دائما مفتاحها السحري الذي يفتح لها كل البواب دون عناء .
قال : أظنني ساعدتك كثيرا ولم أقصر في شيء , وبكل صراحة ووضوح , نعم نحن أصحاب , ولكن في العمل لا , لن أجامل أحد .
خرجت من مكتبه وهي في منتهي العصبية , وتتمتم بكلمات غير مفهومة , ثم توجهت إلي مكان التدريب , هي تعلم أنها مستهترة طوال حياتها , هكذا كانت تقول لها أمها , لم يكن يشغل فكرها بعدما خرجت من مكتبه الإ كيف تخرج نفسها من هذا المأزق ؟
***
انكب علي عمله حتى بلغت الساعة الواحدة بعد الظهر , في صمت أخذ يتأمل لبضع ثواني ضوء الشمس بلونه الأصفر الذهبي الذي أضاء حجرة مكتبه , ذكره ذلك بالنور الأبيض الذي اقتحم عليه ليلته و أضاء حجرته المظلمة ,قاطعت هي مخيلته حينما طرقت عليه باب المكتب وقالت
- أريد مساعدتك , فهناك أمر لم أفهمه في محاضرة أمس .
انتبه إليها رافعا رأسه من بين الأفكار المبعثرة التي وضعتها مخيلته أمام عيناه وقال
- بضع دقائق وسأكون عندك .
***
أخرجت المرآة وعلبة المكياج من حقيبتها, وضعت بعض الأحمر علي الشفتين, ظللت جفونها ببعض من الأسود ,هندمت من تسريحة شعرها, فتحت زر البلوزة العلوي , اتسعت فتحة صدرها , كاد كل شيء أن يكون منه واضحا , لم تنسي أيضا أن تعطر من نفسها , حدثت نفسها وهي غارقة وسط هواجسها, أظنه سيفعل, من يستطيع أن يقاوم جمالي .
- وبينما هي تسترسل في أفكارها , فتح الباب .
ارتبكت , وضعت كل شيء في مكانه , لفت انتباهه ذلك لكنه لم يعلق .
استغرق بعض الوقت وهو يشرح لها المشكلة التي قابلتها , لكنها لم تكن معه , بدت شاردة الذهن تطيل النظر في عيناه, وهو أيضا يحاول أن يهرب من عيناها ,ثم توقف لحظة وقال
- لو سمحتي ركزي معي , فالوقت يمر , وكلنا يريد أن يفطر في بيته .
ردت عليه بنبرة جمعت فيها كل الحيل
- آسفة فأنا لست بحالة جيدة منذ صباح اليوم , فلدي أمر يشغلني .
تركها و أكمل ما كان يشرحه , ثم سكتت لحظة وقالت
- أود أن أطلب منك طلبا ,وأرجوك أن لا ترفضه .
رد في عدم اكتراث قائلا
- اطلبي .
قربت رأسها منه بعض الشيء وقالت
- أود أن تقبلني
نزلت عليه هذه الكلمة كالحجر الذي هشم رأسه فجأة , وأفقده توازنه, فدخل في حالة من الصمت , تجمد في مكانه , احمر وجهه , تصبب عرقا , قاطعت صمته قائلة
- ألا تحب أن تتذوق طعمهما .
ازداد ارتباكه ولم يخرج عن صامته, حدث نفسه قائلا
- ألا تستحي , و في نهار رمضان تطلب مني ذلك , حيلة هي تلك .
شغل نفسه لبضع ثواني في البحث عن حيلة مماثلة ثم أردف قائلا
- " أتمني ولكن ... لنجعلها بعد الفطار" .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _
" من قصيدة ( رسالة في ليلة التنفيذ ) للشاعر " هاشم الرفاعي *

May 1, 2008

حروف زي البشر

غصت وسط ظروف
وسط حروف
و تعلقت بحد الحرف
وشفت أصل الحروف
في حروف تخص
وحروف تعم
حروف تنفع
وحروف تضر
أصل الحروف.....زى البشر
في حروف نور
در
دمها حر
تمدح بها نبي
تقول كلام غر
وفي حروف في الحلق
طعمها مر
حروف مالحة
مش صالحة
تفسد ورق بيض
تنضح عليه المر

Mar 26, 2008


يا أبت ...إني رأيت

إذ قال ربك في كتابه
أن أوحي الله لنبيه
إذ قال يوسف لأبيه
يا أبت ...إني رأيت
فلا رؤى مثل يوسف يا أبت رأيت
ولا شمس ولا قمر
ولا كواكب ساجدينا
فلا أنت يا أبت من آل يعقوب
ولا إخوتي من إخوة يوسف
ولا علما رب أتاني ولا حكما ولا تمكينا
ولا لي في الأحاديث مثل يوسف تأويلا
ولا قالوا اقتلوه أو اطرحوه
وبدم كذب
علي القميص نسجوه
وتباكوا
وفي غيابات الجب جعلوه
ولا أهل مصر بثمن بخس اشتروني
ولا امرأة في بيتها
عن نفسي راودتني
وغلقت الأبواب
وفي السجن وضعتني
ولا نسوة لرؤيتي أكبرنه ..
و قطعن أيديهن !!!!
ولا بعدما رأوا الآيات قالوا اسجنوه
فلا سجنا دخلت ...
ولا رأيت فتيان
ولا قلت قضي الأمر الذي في تستفتيان
ولا أفتيت ملك في سبع بقرات سمان
ولا إخوتي دخلوا علي
ولا أبوي أوي إلي
ولا قلت ادخلوا مصر في أمان
ولا علي العرش رفعت أبوي
ولا هم خروا لي سجدا





Mar 25, 2008

راديو أسمع منه كلام ربنا


يابا.... وانت مسافر
وفي غربتك
ابق افتكرني
انا مش عايز منك حاجة
الإ سلامتك
وراديو اسمع منه كلام ربنا
يونسني ويصبرني
علي غربتك
يبق معي
في غيطي
وأنا بدور بأنفاسك ساقيتي
وأغرز بذور
راح تكبر يوم
واحصد في يوم زرعتي
عايز يابا احصد كمان الجنة في أخرتي

Mar 21, 2008

مصر كلها في الحمام
حينما يأتي الكبت ... أمد له يدي... أصافحه , اقبله بين عينيه , أضمه في صدري ...أتنهد , تتبدل مشاعري تزداد دقات قلبي , اشعر باحمرار في وجهي , أضع يدي علي شعره ,أحاول أن أتفحص قسمات وجهه , يجذبني جمال عينيه , يبدو في العشرين من عمره , ابحث عن فرشاتي والواني لم أجدهما , ابلل إصبعي من فمي , بدأت أبدد في قسمات وجهه , وضعت خطوط كثيفة , تجاعيد , البشرة الآن أغمق , الشعر أصبح ابيض , أصبح علي مشارف الستين من عمره ... لم يلتفت إلي ما فعلته , ازداد شعوره بالأمان وضعت كلتا يداي علي رأسه ,سحبتهما برفق حتى تملكت من رقبته , بدأت أضغط بشدة علي عنقه , يختنق ,يحاول التخلص , يقاوم تزداد قبضتي .........استسلم ....فارق الحياة ...استرحت منه لكن بعد عناء ,أخرجت كبتي , اقتله دون أن يشعر بي احد , ألوث يدي بدمه القذر , لكني لا أحب أن أكون قاتلا , اشعر بالذنب , عقدة الذنب تنغص علي حياتي , ماذا لو رآني احد من أولاده أظنه يقتلني , ماذا لو رأتني الشرطة ربما اسجن بقية حياتي , أو اعدم , لابد و أن يكون هناك حل .
سألت أصدقائي , جيراني , سرت في الشارع أسأل المارة , نزلت شارع جامعة الدول العربية ....أمام فرغلي .... جالس في سيارته , فاتح شبك سيارته ....وبكل فضول مني أدخلت رأسي داخل سيارته وسألته ( لما بتكون مكبوت بتعمل ايه ) ... دفعني إلي الوراء أدار محرك سيارته !!!!!!!!!!!!
سألت أحد أصدقائي فقال لي " أكتم في نفسي ولا أفعل شيء "
فقلت : لكنك تفعل شيء.....
نظر إلي في استغراب ودهشة بدت علي وجه وقال ( إيه )
فقلت : ( تطق تموت .....) وتستريح ويستريح الآخرون منك
قال لي أخر : ادخل إلي حجرتي ....اصرخ بصوت عالي حتى يكاد يغشي علي
قلت له في سخرية لا حتى يغشي عليك بل حتى تجد نفسك أمام مجموعة من الأشخاص بطول الباب تكاد تصطدم رؤوسهم بسقف الحجرة , ويلبسون ابيض في ابيض , وخير اللهم اجعله خير وتجد نفسك في " السرايا الصفرة " أقصد مستشفي الأمراض العقلية .
نصحني أحد إخوانا إياهم !!!! وقال
" لو عايز تخرج الكبت اللي جواك ....امشي في مظاهرة "
قلت : وبعدين
قال : تستريح
قلت : نعم أستريح واضع يدي تحت رأسي وأتمدد علي البرش وانتظر أخي ليحضر لي عيش وحلوة
مرت الأيام والشهور و ازداد الكبت بداخلي ومازلت ابحث عن طريقة ...لكن دون جدوى!!!
كنا في فصل الصيف , دعاني أحد زملائي لعقد قرآنه بمسجد النور بالعباسية , بعد إتمام العقد سارعت لتهنئة العروس قبل أن ادخل في صراع علي تقبيل العروس قد افقد فيه الكرفت أو القميص أو تصادف وأعود إلي المنزل دون حذائي .
دوي صوت المؤذن في القاعة ... وشيء من الهدوء , دخلت المسجد لأداء صلاة العشاء توجهت إلي دورة المياه حتى أتوضأ , لفت انتباهي شيء ...ما ذا يفعلون ما هذا , هكذا يعبرون عن انفعالاتهم ويفرغون كبتهم , في سرية تامة , يفعلون مثلما يفعل المراهقون , هنا ...فقط !!!!!!
خرجت بسرعة من المسجد , دخلت دورة مياه مسجد آخر وآخر , دخلت كل دورات المياه العامة والمشهورة حتى أتأكد , فكل المكبوتين في مصر يفعلون ذلك.
تمسك بقلمك , تقف داخل الحمام , الباب من أمامك , تأكد تماما أن الشباك مغلق تماما, حاول أن تستجمع أفكارك, الوقت مناسب الآن حتى تفرغ كبتك بدلا من تقتله فيقبضون عليك بتهمة القتل مع سبق الإصرار والترصد , اكتب ما شئت علي الجدران , امدح , اشتم , عبر عن وجهة نظرك ......
حدثتني نفسي فقالت : ما ذنب هذه الجدران التي تئن من انفعالات المكبوتين
قلت : قدرها ...قسمة ونصيب !!! بين الجدار والمكبوت أو ربما تكون شاهد يوم القيامة فتنطق كما ستنطق الأيدي والأرجل .
ويحك أنت أمارة بالسوء ...دعني الآن فربما لا يسنح لي القدر أن اكتب انفعالاتي مرة ثانية .
التفت إلي الجدار ...أمامي ....كلمات ...شاخبيط
لو ضمت الكلمات في سطور لكانت أمهات الكتب
ولو حددت الخطوط المتداخلة والعبارات المقلوبة لكانت "الجورنيكا " لبيكاسو , أو أي حاجة حلو لفان جوخ, أو تحركت دار الوثائق المصرية لتسجل وتحتفظ بهذه النسخ من الجدران الفريدة , فهذه رسالة من طفل مصري إلي من .....ربما سيسجلها التاريخ أو يحدث نزاع عليها بين دار الوثائق ودار المخطوطات , دون أن يقرءوا ما فيها .....فالجدران ملئ بذخائر للمكبوتين فمنها ,
( رسالة من طفل مصري إلي ماما سوزان .....)
ماما الإمبراطورة سوزان ....قولي لمبارك ....أنا جعان ..أنا عريان , أنا مرضان ...أنا مش عايز مكتبة وكتاب , هاقراء إيه والعيشة عذاب , خلتوا اللحمة حلم بعيد , وكوبية اللبن حلم سراب , مش عايز أوبرا أو مزيكا , عايز بيضة ولو لغراب , كل يوم هنا مؤتمر وهنا مشروع والعاطلين أفواج أفواج .....عايز أعيش حر في بلدي , من غير طوارئ ولا سجان , عايز ألاقي القوت في بلادي بكل كرامة وكل أمان ...!!!!!!!!!!!!)
وأخر مكبوت يحاول أن يستنكر محاولة إخراج هموم المصريين في الحمام فيقول ( شعب جبان لا يقول الحق الإ في الحمام , هل بلغ بنا الخوف أن نعبر عن أرائنا في الحمام )
وقد وجد الإسلاميون في جدران الحمامات متسعا من الحرية حتى يعبروا عن أفكارهم ويخرجون كبتهم ....فحملت الجدران بعض الشعارات المعبرة عن فكر جماعة الإخوان المسلمين
إخواني مكبوت يقول( أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم , تقم علي أرضكم ) ( الإخوان أمل الدنيا في كل مكان ) ( اشهد , اشهد يا زمان علي حب الناس للإخوان ) .
وحملات بعض الجدران أراء الجماعات الإسلامية المناهضة لفكر جماعة الإخوان المسلمين وخاصة التيار السلفي , سلفي مكبوت يقول ( الإخوان طلاب مناصب وسياسة , لا دعاة دين وإصلاح )
وأخر مكبوت يمدح في الفكر السلفي فيقول
( السلفية هي جماعة المسلمين ، يا ناس اتبعوا أبو إسحاق ومحمد حسان وحسين يعقوب ) , فيرد عليه أخر علي نفس الجدار ويقول ( اللي جعلهم علماء ودعاة أمثالك الجهلة اللي ما يعرفوش حاجة وفاهمين كل حاجة علي مزجهم ) فيؤيده أخر ويقول ( الحركة الوهابية جعلت مصر مقبرة للدين بسبب أفكار ابن تيمية ) وأخر يرد عليهم فيقول ( سيستمر الغلاء إذا لم تتحجب النساء )
ولم يقتصر الأمر علي ذلك فقد امتد لمناقشة بعض القضايا مثل الختان والتماثيل والمسلسلات ....الخ
وحملت بعض الجدران بعض التهكمات علي الحكومة المصرية شخص مكبوت يتهكم علي رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد فبقول ( عبيدوبيس .....اله الفقر عند المصرين في القرن العشرين )
ومكبوت أخر يتهكم علي حكومة نظيف ويقول ( شيف , شيف , دكتور نظيف ...دمه خفيف .....بس كفيف ....والشعب المصري مشكلته رغيف ) .
وكان لأحزاب المعرضة نصيبا من إخراج كبت أبنائها علي جدران الحمامات , خاصة وقت إجراء انتخابات الرئاسة .
معارض مكبوت يقول ( أيمن نور عميل أمريكي ) وآخرون يقولون ( الأحزاب ديكورات من صنع الحكومة ....بلا أحزاب بلا بتاع الانتخابات محسومة يا أغبية ) .
أعجبتني الفكرة .... دخلت الحمام , أمسكت بيدي قلم , عبر عن وجهة نظري , شتمت كل اللذين لا أستطيع أن أقول لهم ذلك في وجههم , مدحت ...ارتحت , خرجت الكبت , دون شعور بالذنب تجاه الكبت .
بعد فترة عاودني شعور بالكبت , كنت مشغول جدا في عملي , ومسؤولياتي , لا وقت لأذهب إلي دورة مياه عامة , دخلت حمام منزلي , وحتى لا أتعرض للطرد علي يدي أسرتي , واسكن الرصيف , أخذت ورقة بيضاء وثبتها علي حائط الحمام , بدأت اشخبط , اشتم , امدح , لكن !!!! لم أشعر بأي شيء , شحنة الكبت مازالت بداخلي ( يا أخي دورات المياه العامة سرها باتع ) .
قررت أن أذهب إلي أحد دورات المياه العامة , ولكن لأن أخرب في المال العام , فجهزت لوحة كبيرة من الخشب مقاس 150سم في 200سم , قمت بشد فرخ كانسون ابيض عليها بواسطة الماء وثبت الورق علي الخشب بدبابيس مكتب ( شغل فنانين بأه يا عم ) وانتظرت حتى جفت , حملتها وحملت الواني وفراشاتي , الألوان ربما تنتهي قبل ، أنجز لوحتي ...تعاطيت كمية كبيرة من الألوان ...لكن لا يكفي , وضعتها في سندوتشات ...سندوتشات ألوان , أخذت معي معطر برائحة الورد, 3) MP) بعض الأغاني المحببة إلي قلبي , توجهت فورا إلي دورة مياه عامة لأحد المساجد الكبيرة بالقاهرة , حاولت أن أدخل أمتعتي أثناء الصلاة حتى لا يراني أحد , وحتى لو رآني أحد , ما ذا سيقولون , واحد مكبوت , أظن أنهم متعودون علي هذا المنظر, حاولت أضع لوحتي داخل الحمام لكنها كانت أكبر من الحمام .....مشكلة ماذا سأفعل !!!!!!
تذكرت مشهد الفنان " نبيل الحلفاوي " في فيلم الطريق إلي إيلات" ....وفي غمض البصر انحلت المشكلة !!!!!
( شارب من نيلها )
قمت برش كمية كبيرة من المعطر داخل الحمام , تقريبا عشرة زجاجات .....
أغلقت الباب , تأكدت أنه لا أحد يراني ,المكان مظلم لدرجة أني لا أري يدي , أكلت سندوتش ع الماشي ( الجوع كافر ) , وضعت السماعات في أذاني ...سمعت عبد الحليم يقول , ( احلف بسماها , وبتربها ......) وضعت بعض الخطوط والألوان والانفعالات ,حولت الشتائم إلي أيقونات فنية , شعرت أني أنحت في صخر لا أضع لونا علي الورق وفي زحمة انفعالاتي قاطعني عبد الحليم بصوت قوي ( أموت ...أعيش ...ميهمنيشي )
ازدادت اضطرابات الواني , الأحمر والأزرق والبنفسجي والوردي والبني ....الألوان متداخلة مثل الإحساس بداخلي ,انتابني شعور بالفخر والرسوخ , فحاولت أن ارسم الأهرامات , برج القاهرة , عمارة يعقوبيان , أحسست بالدفء , قاطع إحساسي صوت شيرين( كتير بنعشق ولا بنقول وكتير بنعشق ولا بنطول ) , أخذت فرشاتي تتأرجح بين يدي ...من الواضح انها أرهقت من شدة انفعالاتي , فهي أول من يشعر بي , ارسم بها دموعي وارسم بها العرق وارسم بها الحنين لو مرة في عروقي اختنق , قاطعني صوت عبد الحليم مرة أخري وهو يقول ( عدا النهار ) ظننت أن اليوم انتهي ...لكني فوجئت أن حبيس هذا المكان منذ ثلاثة أيام , لا يهم ...المهم أنني فرغت كبتي وأظن إني بصدد عمل فني , فمنذ فترة طويلة لم أسرح مع الألوان بهذه الصورة , وفي ظلام المكان لم أري ما وضعته علي لوحتي , فتحت باب الحمام , حاولت أن أخرج لكني لم أتحمل شدة الضوء , لملمت الواني وفرشاتي وبالته الألوان , أضع كل شيء في حقيبتي , حتى الثلاث أيام الماضي , حتى رائحة المعطر أحاول أن أسحبها جاهدا من الهواء وأضعها في حقيبتي , كل الناس تنظر إلي , لم انتبه إلي لوحاتي ....!!!!
يا رب ما هذا أنها لم تكن أفكاري لم تكن الواني ....ملعون هذا الكبت لقد خانني ....نعم خانني . .....اللوحة كلها بلون واحد
اللون الأزرق
أيها اللون الأحمق الخائن
أنت عميل له
ما هذا راقصة ....فلاح ...نخيل ....وخيول ...وقوارب تسرح في النيل
لقد اتبع الكبت معي أسلوبه التجريدي الملتوي
كلهم عملاء
الحزن يخيم علي رأسي ...ألوان تدخل في رأسي تخرج كلمات
ألبالته كانت أشبه بالكراس
هممت بالخروج من باب المسجد ...فاجأني أحدهم وقال ( مصر )
ايوه ... اللوحة ده بتعبر عن مصر
دهشت حاولت أن انظر إلي لوحتي مرة أخري ... أتأملها
امرأة عجوز تمر بجواري تقف أمام لوحتي , تحدق النظر وتقول (الله مصر ) ....بدأ الناس يلتفون حول اللوحة , تزداد أعدادهم , يتزاحمون , يتوافدون , وكأني في موسم الحج , يضعون أمامها باقات الزهور , أو أني أمام لوحة " قسم الأخوة هوراتيوس " لجاك لويس دافيد, أعظم نجاح فني علي مر التاريخ , لكنها ليست اللوحة هؤلاء البسطاء.....ما الذي أتي بهم ؟؟؟ إنها مصر, إنهم يعرفون مصر أكثر مني
ربما الكبت أيضا يعرف مصر أكثر مني !!!!!!!!!

Mar 19, 2008


رحلت دون وداع
إلي التي ودعها كل شيء في الوجود
إلا ... أنا
حتى السماء ودعتك يا أختاه
ما كنت مطرا
ما كانت حزنا
بل كانت ... فرحة
كانت بشري
حين رؤيتك بالفستان الأبيض
يوم الزفة
يوم العرس
في جنة عدن
أعلي جنات الفردوسي
أي الجنات اختاري
.... إن شئت
أنت شهيدة
يا أختاه